سلسلة (دعونا نحلم) … المواصلات
بقلم د. يونس فنوش
الأعمال الكبيرة تبدأ دائماً بحلم يراود شخصاً أو أشخاصاً، يؤمنون به وبفائدته للحياة وللأحياء.. ثم يسعون بكل ما لديهم من جهد ومال ووقت لجعله حقيقة ملموسة على أرض الواقع..
وليبيا القادمة هي الآن شذرات أحلام تراود فكر وخيال نخبة من أبناء الوطن، سوف يتوقف تحققها على أرض الواقع على قدرتهم على اجتياز حالة الإحباط واليأس ونقص الثقة في الذات، وإصرارهم على تجاوز العقبات والصعاب، حتى يروا حلمهم متحققا فعلاً على أرض الواقع، فيحق لهم آنئذ أن يرددوا قول الشاعر:
فإذا الحلم حقيقة والأماني إرادة
ــــــــــــــــــ
الحلم الخامس
المواصلات والاتصالات
من عاشوا وشهدوا على ما قبل انقلاب 69، منذ نشأة الدولة الليبية، لا شك أنهم يذكرون أن خدمة المواصلات العامة كانت متوفرة منذ السنوات الأولى للاستقلال. نذكر جيداً شركة الحافلات التي أسسها وأدارها مواطن اسمه (السلاك)، وكانت توفر خدمة النقل للركاب في مدينة بنغازي، عبر خطين نذكرهما للتاريخ، هما: خط البركة وخط البلاد. ونذكر أن هذه الحافلات كانت تتميز بانتظام مواعيدها الدقيق، إِلى جانب نظافتها وتميزها بخدمة راقية جداً.
كما نذكر خدمة نقل المسافرين على الحافلات بين بنغازي وطرابلس وغيرهما من المدن.
ولكننا عشنا بمرارة وأسف بالغين كيف وصلنا في هذا المجال إلى حال من التردي والانحدار، حتى عشنا مرحلة اختفاء المواصلات العامة تماماً، وانتهى المواطنون إلى استخدام ما يعرف بسيارات (القلع)، حيث يتكدسون فيها كما تكدس الحيوانات، ويعانون الأمرين في استقلالها والحصول على مقعد فيها، ولا يعرف لها أحد محطات محددة.
وهكذا انتهينا إِلى ما نعيشه الآن من خلو مدننا من خدمة النقل العام تماماً..
فهل يحق لنا أن نحلم بالقدرة على استرجاع ذلك العهد، من خلال وضع السياسات والبرامج الكفيلة بالتشجيع على إنشاء شركات النقل العام، بحيث تتوفر تلك الحافلات التي تيسر على المواطن التنقل إلى حيث يريد أو يحتاج بيسر وسهولة وفاعلية ودقة.
ولنا أِن نتخيل ما يمكن أن يترتب على هذا من فوائد، ليس أقلها أثراً تقليل الحاجة إلى استخدام المركبات الخاصة، كما نشاهد اليوم، وما ينجم عن ذلك من فائدة ومردود على الاقتصاد الوطني كله: اقتصاد في استهلاك الوقود، اقتصاد في استهلاك المركبات وقطع غيارها، اقتصاد في إضاعة وقت الناس للوصول إلى ما يلزمهم من مرافق وخدمات، وللحصول على أماكن لركن السيارات.
أما إذا أردنا أن نرفع سقف الأحلام، فقد يكون لنا أن نحلم بأن نستورد من الخارج تلك الحلول المتطورة في مجال المواصلات: النقل بالحافلات، القطارات بالغة السرعة والمعلقة، سيارات الأجرة المبرمجة على خدمة الاتصالات الحديثة، وما إلى ذلك.
بيد أن مثل هذه الأحلام تحتاج إِلى إحداث ثورات جذرية في أسلوب تفكيرنا وتعاملنا مع هذه القضايا، وأول ما ينبغي علينا إعادة النظر فيه نظرتنا إلى موضوع التمويل والاستثمار.. فنحن نتطلع إلى دولة جديدة، تكون دولة راعية لا (ريعية)، وكل ما عليها أن تمارس دور التخطيط والتنظيم والمراقبة، وتترك لرأس المال الوطني والأجنبي حرية المبادرة والعمل..
من الثابت علمياً أننا بهذا التوجه سوف نتمكن من إنجاز الكثير من المشروعات دون أن تتكفل الدولة بأي نفقات، بل مقابل حصولها على ما سوف يترتب على تلك المشروعات من ضرائب ورسوم، وما سوف يتحقق من ورائها من منافع وعوائد على الاقتصاد الوطني.