الدكتور محمد سعد

أ.د. محمد سعد امبارك رئيس الحزب المدني الديمقراطي

أ.د. محمد سعد امبارك

لاشك أن المشاركة السياسية الفاعلة وإتاحة الفرصة في الممارسة الديمقراطية تستوجب مساهمة المواطنين دون اقصاء أو تمييز، وهو استيفاء لحقهم الدستوري وتنفيذ لحقوق المواطنة في الدولة المدنية الديمقراطية، ولا يمكن تحقيق المشاركة السياسية الواسعة والمنظمة دون مأسسة العمل الحزبي وفتح المجال أمام الجميع بعيداً عن إنتمائهم القبلي أو الجهوي، بالاضافة إلى ما تقدم فإن التنافس على السلطة في الآليات الديمقراطية التي تستند إلى خيارات الشعب وارادته، يستوجب ان يكون هذا التنافس بين البرامج والرؤى السياسية وليس إلى حيثية الأشخاص وما يمثلونه من انتماء قبلي أو جهوي أو مصلحي ضيق.

وما أحوجنا في ليبيا ونحن نتلمس الطريق نحو ممارسة ديمقراطية ناجحة وبمشاركة الجميع، ما أحوجنا إلى التغلب على الثقافة القبلية والجهوية التي تجذرت في الذهنية الليبية بسبب غياب البديل الأفضل المتمثل في الأحزاب السياسية، إضافة إلى الثقافة السياسية المعادية للأحزاب والمتجذرة بسبب جهود الأنظمة السابقة في إقصاء عامة الناس والمواطنين عن المشاركة السياسية، ونعتت كل من حاول العمل السياسي المنظم بالخيانة وجرمته قانوناً وعاقبته بأشد العقوبات، زد على ذلك في الوقت الراهن قيام الاحزاب التي لها امتدادات خارجية  بفتح باب التدخلات الاجنبية، فأزدادت العقلية الجمعية لليبيين ابتعاداً عن المشاركة وإحجاماً عن المساهمة في العمل الجماعي المنظم والممارسة الديمقراطية التي تساهم فيها الجموع بتنفيذ إرادتها وتحقيق رغباتها.

لقد استبشرنا خيرا بالصحوة السياسية ونبذ الثقافة القبلية والجهوية، وإن كانت قد استقوت لدى البعض بسبب غياب البديل (الأحزاب السياسية)، وأدركنا بأن تشكل أكثر من مئة وعشرين حزباً وتنظيماً سياسياً مؤخراً يعتبر إرهاصاً لهذه الصحوة، حتى وإن تشكل بعضها بدافع ثقافة الغنيمة والرغبة في الاستفادة الخاصة وتحقيق مصالح ضيقة، وبما أن تلك التنظيمات لا تملك برنامجاً ولا رؤية سياسية نابعة من واقع البلد وتطلعه إلى مستقبل أفضل، فإنها لن تستمر وستتلاشى بالانصهار في غيرها أو الانسحاب، والحكم الجماعي لن يكون مفيداً، كما أن الإحجام عن المضي في مأسسة العمل السياسي ستكون له عواقب وخيمة على الممارسة الديمقراطية التي يتطلع إليها الشعب، وستدخلنا في أتون الفشل والفوضى من جديد.

إن مماطلة إدارة القانون ولجنة الأحزاب التي أسندت إليها مهمة التأكد من الاشتراطات القانونية الواردة بالقانون رقم 29 لسنة 2012م وعدم إشهار الاحزاب التي استوفت هذه الاشتراطات وليس لها اجندات خارجية سوف تكون له عواقب سيئة على مخرجات الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة، فغياب التنافس بين البرامج السياسية بين الأحزاب السياسية الوطنية، وتشكل القوائم المصلحية أو التنافس بين المستقلين كما حدث في انتخابات برلماننا السابق، كل ذلك سوف يعود بنا إلى التجارب السابقة في مجالس نيابية فاشلة وغير قادرة على انجاز مهامها بسبب غياب الرؤى والبرامج السياسية لأعضائها، وبذا يستمر مسلسل إنهاك ونهب مؤسسات الدولة واستمرار الفساد، وتضيع فرصة التغيير التي تتيحها الانتخابات العامة في ديسمبر القادم.

وإذ نؤكد عزمنا على المضي قدماً في مأسسة العمل الجماعي المنظم من خلال الأحزاب السياسية، (ولسنا مطالبين باختراع العجلة من جديد) مستلهمين التجارب الإنسانية الناجحة، و تحاشي ومعالجة أسباب الفشل، فإننا نطالب بسرعة تمكين الاحزاب السياسية الممتثلة لصحيح القانون، وإصدار قانون الانتخابات الذي يمكنها من المساهمة الفاعلة في الانتخابات (من خلال قوائم تستند إلى برامج سياسية)، وأن تكون المقاعد ملكاً للتنظيم وليست ملكية شخصية للمُنتَخبين، لكي نضمن تحديد المسؤولية على تنفيذ البرامج السياسية وبالتالي عدم خداع الناخبين ولا خذلان الشعب الذي ساهم في انتخابهم.

إن الممارسة الديمقراطية هي ثقافة يجب أن تعم وتشريعات يجب أن تسود وتداول سلمي يضمن للشعب حقه في إنتاج سلطاته التشريعية والتنفيذية ويمنع احتكار السلطة أو إستغلالها.

حفظكم الله وحفظ الله ليبيا