أ.د. محمد سعد امبارك
ما نشهده من تغيرات كبيرة ناتجة عن ثورة المعلومات والإتصالات والتقنيات الحيوية والهندسية والاهتمام بالبيئة بما تحدثه حولنا وفي عالمنا الذي نعيشه، وبشكل غير متوقع لا في سرعته ولا في محتواه، تغير مذهل لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية وينبئ بتحول يمس المفاهيم التي ألفناها وكانت بديهيات بالنسبة لنا، سيتغير مفهوم السيادة الوطنية وستتلاشى حواجز وقيود كثيرة وتنفتح المجتمعات والثقافات ولن يقتصر الأمر على سهولة التواصل والتنقل وتبادل الأفكار بشبكة المعلومات الدولية واختفاء العوائق اللغوية فقط، ولكن تبادل المنافع والمصالح وسهولة انتقال الأموال مع العملات الإلكترونية والخدمات العابرة للحدود، وسنرى اختفاءً لسيطرة الحكومات على البنوك المركزية وادارة الاقتصاديات المحلية ولا حتى في فرض السلطات القضائية الوطنية في مواجهة آليات القضاء الدولية، سيكون سوق العمل منفتحاً وتنافسياً وعالمياً، ولن تستطيع الاجراءات الحمائية المحلية الحفاظ على القطاع العام والصمود أمام إعصار المتغيرات القادمة، ستكون قواعد الاستثمار واستغلال الموارد والتخطيط الاستراتيجي مختلفة تماما عما تعودنا عليه، ولن تتمكن الحكومات الوطنية من فرض أولوياتها وقد تتغير في شكلها ومضمونها، وسيكون للفردية أكثر تسلطاً على حياة الأفراد وتشكل خياراتهم.
عديد هذه المتغيرات لم يعد في خانة الخيال العلمي بل أصبح حقيقة واقعة ومتسارعة وتتشكل بصور وحيثيات مختلفة، وهو ما يحتم علينا الاستعداد له وإن كان في جله سيعود بالنفع على المواطن وجودة حياته، لكنه لن يخدم رغبة الحكومات في السيطرة ولن يفيد الحمائية الوطنية، وبالتأكيد سيكون وبالاً على من لن يقدر على المنافسة وعلى من لا يستطيع أن يتطور، وسيخسر كل من يحاول المقاومة، ولو أخذنا جانباً مهماً ومتعلقاً بسوق العمل فإن المنافسة الدولية في تقلد الوظائف والحصول على فرص العمل مستقبلاً حتى في المؤسسات الوطنية سيخضع لاشتراطات الكفاءة والقدرة ناهيك عن المساواة في الفرص، وتلك المنافسة ستجعل من أبنائنا بمستوى التعليم والتدريب الحالي غير قادرين على الحصول على تلك الفرص في مجتمعهم المحلي ولا سوق العمل العالمي.
إن الأمر يحتاج إلى مجاراة هذه المتغيرات لا معاندتها والاستعداد لها من خلال رؤية وطنية متكاملة وتطوير استراتيجيات التعلم والتدريب وتطوير أليات الابتكار والابداع وآليات إدارة المعرفة وتجسير الفجوة الرقمية وإدخال مفاهيم الجودة والتقنيات الحديثة ومواكبتها. فماذا نحن فاعلون يا ترى.