العمل السياسي بين الاستقلال والانتماء
د. يونس فنوش
تواجهنا كثيراً عبارة ترد على ألسنة بعض من نتوسم أنهم مثقفون وسياسيون، تقول إن أحدهم يفضل أن يكون مستقلاً، وأنه يتردد في الالتزام بالانتماء إلى إطار سياسي منظم، في شكل حزب سياسي.
وإني أزعم أن هؤلاء المثقفين يرتكبون خطأ فادحاً في تمييزهم بين الانتماء إلى حزب سياسي والاستقلال أو عدم الانتماء.. وذلك أني لا أرى دوراً للمثقف المهتم بالشأن العام وبالسياسة يمكن أن يلعبه إذا ظل يعمل بمفرده، فأقصى ما سيكون بوسعه أن يفعله، وهو يعمل بمفرده، هو أن يعبر عن رأي، بلسانه أو بقلمه، ولكن ذلك سيكون أثره محدوداً جداً، في حين أن المثقف الذي يختار العمل الجماعي المنظم، ويقرر الانتماء إلى إطار يجمع بينه وبين آخرين يتفقون معه في الرأي والعقيدة السياسية والرؤية الثقافية والاجتماعية لبناء الدولة وتنمية المجتمع، سوف يكون بوسعه أن يفعل الكثير، حين يجتمع جهده الفردي مع جهود آخرين، يقوي بعضهم بعضاً، وتثري جهود بعضهم جهود الآخرين. فينتج من ذلك عمل أكبر وأضخم وأوسع مدى من جهد أي منهم بمفرده.
وإني أزعم أن مفهوم الاستقلال في هذا المجال هو ضرب من الهروب من تحمل المسؤولية، ومن الالتزام بها تجاه الوطن والمجتمع. وقد أزعم أيضاً بأنه تأثر ببقايا من آثار الثقافة التي حرص القذافي على نشرها وترسيخها في نفوس الليبيين. وهي التي تؤدي بأحدهم إلى حد التبرؤ من الانتماء إلى حزب، وكأن الانتماء إلى حزب بات عيباً أو سبة يجدر بمن يريد السلامة أن يبتعد عنها، أو يتخلص منها.
وإني لن أمل من إعادة تأكيد قناعتي بأن الدولة، أي دولة تطمح لأن تستحق هذا الوصف، لا يمكن أن تقوم بدون تنظيم عملية التعايش السلمي بين أفراد المجتمع، وعملية الاختلاف في الرأي فيما بينهم، واللجوء عند الحاجة إلى حسم الاختلاف بآلية الاحتكام إلى صندوق الاقتراع، والتسليم بما تسفر عنه النتائج من تغليب أحد الطرفين أو الأطراف المتحاكمة، عند حصوله على موافقة أو تأييد الأغلبية.
وينبني على هذه القناعة أن الأفراد الذين يؤمنون برأي واحد أو رؤية واحدة، لن يستطيعوا أن ينافسوا، فيكسبوا التأييد والدعم لرأيهم ورؤيتهم، إلا إذا تجمعوا معاً، وكونوا قوة سياسية تعمل على أن تكون قادرة على كسب قناعات الناخبين وتأييدهم. ولا تعريف لهذه القوة السياسية إلا إطار الحزب السياسي.
ومن ينأى بنفسه عن الانتماء ِإلى قوة سياسية، يرى أنها تعبر عن رأيه ورؤيته وقناعاته، سوف يحكم على نفسه بأن يبقى فرداً أعزل من القوة السياسية، لا تأثير له ولا قدرة على إيصال رأيه ورؤيته.