دعونا نحلم ..
د. يونس فنوش .
الأعمال الكبيرة تبدأ دائماً بحلم يراود شخصاً أو أشخاصاً، يؤمنون به وبفائدته للحياة وللأحياء.. ثم يسعون بكل ما لديهم من جهد ومال ووقت لجعله حقيقة ملموسة على أرض الواقع..
وليبيا القادمة هي الآن شذرات أحلام تراود فكر وخيال نخبة من أبناء الوطن، سوف يتوقف تحققها على أرض الواقع على قدرتهم على اجتياز حالة الإحباط واليأس ونقص الثقة في الذات، وإصرارهم على تجاوز العقبات والصعاب، حتى يروا حلمهم متحققا فعلاً على أرض الواقع، فيحق لهم آنئذ أن يرددوا قول الشاعر:
فإذا الحلم حقيقة والأماني إرادة
ــــــــــــــــــ
الحلم الثاني عشر
مجتمع خال من المتسولين
لا شك أن مشاهدة مواطن يمد يده يتسول الصدقات من الناس مؤلم وموجع، لا سيما إذا تبين أن هذا المواطن يلجأ إلى التسول، لا حيلة للكسب السهل، ولكن لأنه بالفعل لا يجد ما يسد حاجة معيشته، سواء أكان فرداً أم عائلاً لأسرة.
إن هذه الحالة تفرض علينا أن نسأل أنفسنا، لماذا يسمح المجتمع بأن يصل أحد أبنائه إلى هذا الحد من الحاجة، ولابد أن يتبين عند البحث أن هذا المواطن لا يخلو من أن يكون عاجزاً عن العمل لكسب العيش بنفسه، أو أن ما يحصل عليه من عمل ما يمارسه لا يكفي لسد حاجاته وعائلته. وفي كلتا الحالتين فعلى المجتمع واجب حتمي لا تجاوز عنه، هو أن يكفل له ما يكفيه للعيش عيشاً كريماً.
وقد كتبت منذ عدة سنوات إن لدينا في تاريخنا الإسلامي أمثلة رائعة على شعور الحاكم بالتزامه برعاية شؤون رعيته، فيفعل ما ينبغي لسد حاجتهم، لا سيما إذا كانوا غير قادرين على الوفاء بها بأنفسهم، لعجز أو مرض أو شيخوخة.. ولنا في المأثور عن سيرة الخليفة عمر بن الخطاب، والخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز أمثلة رائعة مدهشة، فقد بلغ الأمر في عهد عمر بن عبد العزيز، أن يعود عماله المكلفون بتوزيع الأعطيات والمنح للمحتاجين في أنحاء دولته، ليقولوا له إنهم لم يجدوا محتاجاً يعطونه، فيأمرهم بأن ينثروا الحب على قمم الجبال، كي تجد الطيور ما تأكل.
واقتباساً من هذا المأثور الرائع وضعت اقتراحاً تقدمت به لعدة جهات رسمية، بإنشاء جهاز خاص، سميته (جهاز الشرطة الاجتماعية)، وإذا شئنا الابتعاد عن مفردة (الشرطة) فلعلنا نسميه (جهاز التكافل الاجتماعي)، تكون مهمته متابعة الأحوال في المدينة أو المنطقة المكلف بها، وحين يجد امرءاً يتسول الناس، سواء في مفترقات الطرق، أو على أبواب المساجد والمصارف مثلاً، يأخذونه إلى قسم مختص بالدراسة الاجتماعية، فيدرس المختصون حالته، ليتبينوا إن كان فعلاً محتاجاً، لأي سبب من الأسباب، فيحال إلى صندوق التكافل، ليفرض له معاشاً يكفي لسد حاجته وأسرته إن كان يعيل أسرة.
وفي السياق نفسه تحدثت عن فكرة متابعة ظاهرة وجود الأطفال في سن الدراسة خارج مقاعد الدراسة، إما يتسولون بشكل مباشر أو غير مباشر، أو يضطرون لممارسة أعمال شاقة من أجل الكسب. وجعلت متابعة أحوال هؤلاء الأطفال من اختصاص جهاز التكافل الاجتماعي، فينظر الجهاز حالة كل طفل، ليعرف الأسباب وراء وجوده خارج الفصل الدراسي، ويدرس حالته وحالة أسرته الاجتماعية، وإذا تبين أن الأسرة تدفع بأطفالها إلى التسول أو إلى سوق العمل بسبب الحاجة، فيكون على المجتمع أن يقوم بواجبه لكفالة هذه الأسرة، بما يتيح للطفل أن يواظب في مدرسته، ولا يضطر للخروج منها.
فهل لنا أن نحلم ببلوغ ذلك المجتمع الذي لا نعود نرى فيه متسولاً أو طفلاً في سن الدراسة خارج الفصل الدراسي؟