مشاركة المرأة: مسألة تخلف ثقافي واجتماعي أم مسألة قانون وتشريعات

د. يونس فنوش .

أخذت نغمة الحديث عن ضرورة تحديد نسبة معينة في قانون الانتخابات تخصص للنساء، وهو ما يعرف بفكرة (الكوتا) تزداد قوة وارتفاعاً، فتجاوزت حدود الأحاديث والمقالات التي تنشر في الصحف والمواقع الإلكترونية، إلى تشكيل هيئة سميت (هيئة دعم مشاركة المرأة في القرار السياسي)، ثم ها نحن أولاء نراها تأخذ مكانها في المشروع المقترح لقانون انتخابات المؤتمر الوطني.

هنا بات الأمر بحاجة إلى وقفة جادة وحازمة، فالمسألة، بكل تأكيد، ينبغي ألا تمر هكذا بسهولة، لأنها أبعد وأخطر من كونها مجرد خلاف على حدود تلك النسبة التي تخصص للنساء، أهي 10%، أم 30% كما تطالب بها بعض النساء، أم هي 50% كما سن لنا قانون الانتخابات في تونس سابقة في هذا الخصوص، فالمسألة، في نظري، هي مسألة ثقافة وحضارة قبل أن تكون مسألة قوانين وتشريعات.

ولنعرض المسألة على بعض النظر والتحليل. ولنبدأ من تأكيد فكرة أن المشاركة السياسية هي حق للمواطن، بصرف النظر عن جنسه ولونه وثقافته ولغته وطائفته، ومن ثم فالمرأة والرجل في هذا الخصوص متساويان تماماً، وينبغي أن يتأكد ذلك في نصوص الدستور منذ البدء، بالنص في مقدمة الدستور على كفالة جميع الحقوق والحريات السياسية والاقتصادية وغيرها لجميع المواطنين على قدم المساواة دون تمييز. فإذا تم هذا فإننا سوف نتفق على أن المرأة لها ذات الحقوق السياسية التي للرجل، فلا يصدر قانون أو تشريع يمنعها من ممارسة ذلك الحق: في الترشح لمختلف المواقع والمسؤوليات، وفي المشاركة في عمليات الانتخاب، ثم ننظر بعد ذلك في سائر الأسباب والظروف التي جعلت أو تجعل مشاركة المرأة في العملية السياسية تكون أقل من مشاركة الرجل.

إن أدنى نظر إلى هذه المسألة سوف يقودنا إلى تبين أن المشكلة في أصلها وصميمها ترجع إلى أسباب ثقافية وحضارية، قبل رجوعها إلى القانون أو التشريع. وذلك أننا، كسائر الشعوب المتخلفة، ما زلنا نرزح تحت وطأة عقود من التخلف الثقافي والاجتماعي الذي يؤدي إلى أن تكون المرأة أقل تأهلاً من حيث مستوى التعليم أو الثقافة العامة لإدراك أبعاد المشاركة في الشأن العام، ويؤدي إلى ما هو أخطر من ذلك وهو الحد من حرية المرأة في ممارسة وجودها السياسي، من آثار التركة التي ما زالت تعانيها مجتمعاتنا، بسبب تحكم الرجل فيها وفي حريتها وحركتها، سواء أكان هذا الرجل أباها أو زوجها أو أخاها وأحيانا حتى ابنها.

وإننا نشاهد في التطبيق العملي كيف تتجسد هذه المسألة بشكل مؤسف وفاجع، إذ تنتهي تلك الآلاف المؤلفة من الفتيات اللاتي تكتظ بهن قاعات ومدرجات الجامعات، حالما ينتهين من الدراسة، إلى البقاء في البيوت، بسبب تعنت الآباء أو الأزواج أو الإخوة الذكور، ويجدن أنفسهن محرومات حتى من حقهن في المشاركة في الفعاليات الثقافية أو الاجتماعية العامة.

أما ما نشاهده من تكدس النساء في مواقع العمل، فهو لا علاقة له مطلقاً بمستوى وعي المرأة أو حريتها، وإنما هو مجرد خضوع إجباري لضغط الحاجة لتوفير دخل مالي تساهم به مجبرة في كثير من الأحيان، في تغطية تكاليف المعيشة. ولو درسنا الأمر دراسة علمية منهجية فسوف نكتشف أن مصير هؤلاء النسوة سوف يكون، لو انتفت هذه الحاجة المادية، هو المكوث في البيت والانعزال عن الحياة السياسية والاجتماعية.

من هنا فإني أرى أن دور النساء اللاتي ينادين، بل يخضن حرباً ضروساً من أجل تطبيق فكرة الكوتا للنساء، يجدر أن يتجه إلى المساهمة في ترقية المستوى الثقافي والحضاري للمجتمع كله، حتى نبلغ الحدود التي نسعى إليها من وعي المواطن الليبي، رجلاً كان أم امرأة، بأهمية المشاركة في العمل السياسي، فنرى الرجال والنساء، على قدم المساواة، يشاركون في مؤسسات المجتمع المدني، وفي الأحزاب السياسية، ثم يمارسون حقهم في الترشح للمواقع المختلفة، وفي عمليات الاقتراع التي تتم عليها.

وهذه الفكرة تقودني تلقائياً إلى الخلوص بنتيجة أراها لازمة، وهي أن آمالنا في تحقيق أي تقدم في اتجاه تأسيس الدولة المدنية الديمقراطية، سوف تعتمد على مدى قدرتنا على تحقيق تقدم ملموس في ترقية مستوى الوعي السياسي لدى المواطنين، وفي مقدمة ذلك الوعي بأهمية المشاركة الإيجابية في العمل السياسي المنظم، من خلال الأحزاب السياسية.

وقد عبرت في تعليق سابق لي على صفحة الفيسبوك عن قناعتي بأن الحل الأمثل والأكثر فعالية في هذا الخصوص هو في دعم مسيرة العمل السياسي المنظم، وحث المرأة على المشاركة في الأحزاب السياسية، فتأخذ موقعها في صفوفها، ثم تأخذ نصيبها الذي تستحقه في الترشح للمواقع داخل الحزب أولاً، ثم للمواقع المختلفة في الانتخابات البرلمانية والمحلية. وإذا ما أثبتت جدارتها وحظيت بدعم بنات جنسها، فلعلها تحصل على أكثر من نسبة الثلاثين في المائة التي تطالب بها أكثر المتحمسات لهذه القضية.