دعونا نحلم: الإدارة

د. يونس الفنوش

بقلم د. يونس فنوش

الأعمال الكبيرة تبدأ دائماً بحلم يراود شخصاً أو أشخاصاً، يؤمنون به وبفائدته للحياة وللأحياء.. ثم يسعون بكل ما لديهم من جهد ومال ووقت لجعله حقيقة ملموسة على أرض الواقع..
وليبيا القادمة هي الآن شذرات أحلام تراود فكر وخيال نخبة من أبناء الوطن، سوف يتوقف تحققها على أرض الواقع على قدرتهم على اجتياز حالة الإحباط واليأس ونقص الثقة في الذات، وإصرارهم على تجاوز العقبات والصعاب، حتى يروا حلمهم متحققا فعلاً على أرض الواقع، فيحق لهم آنئذ أن يرددوا قول الشاعر:
فإذا الحلم حقيقة والأماني إرادة

الحلم الحادي عشر
الإدارة
نتألم كثيراً ونحن نشاهد ونعيش المأساة التي يواجهها المواطن عند الحاجة إلى مراجعة أي إدارة حكومية، من أجل إنجاز إجراء ما، أو الحصول على إفادة أو شهادة، فنراه يكابد ما لا يطاق من الآلام والأوجاع، ويتكلف ما لا يحتمل من التكاليف والمصاريف، للحصول على خدمة إدارية روتينية، بات من الممكن أن يحصل عليها وهو ماكث في مكانه، من خلال جهاز الحاسوب أو حتى جهاز الهاتف..
منذ عدة سنوات كتبت مقالة بعنوان (الحرب ضد كتيب العائلة)، تحدثت فيها عن الأساليب الغريبة التي أخذت تتبعها الجهات الإدارية المختلفة، لإجهاض فكرة (كتيب العائلة) من أساسها؛ إذ أخذت تطلب من المواطن، للحصول على أي خدمة إدارية، أن يصور كتيب العائلة، كله أو صفحات منه، ثم ابتدعت هذه الإدارات فكرة مطالبة المواطن بالحصول على شهادة سموها (الشهادة الإدارية)، وجعلوا لها رسما مؤلماً هو (5) خمسة دنانير، لاستخراجها من دائرة السجل المدني، وهي في حقيقتها شهادة غبية سخيفة، لأنها لا تعدو كونها نسخة يكتبها موظف بخط يده، ينقل فيها بيانات موجود في كتيب العائلة، هي الاسم الرباعي لطالب الشهادة..
ثم تطورت إبداعات البيروقراطية الليبية إلى خطوة أخرى تمثلت في إجهاض فكرة (شهادة الرقم الوطني) التي بات ممكنا للمواطن أن يستخرجها من خلال منظومة الرقم الوطني الإلكترونية؛ إذ أخذت الجهات الإدارية تطلب من المواطن أن يحضر شهادة بالرقم الوطني مختومة من مصلحة السجل المدني.. وفضلا عن خلو هذا الطلب من أي معنى أو مبرر، فقد أخذنا نعيش واقعاً مريراً آخر، تمثل في أن هذا الطلب بات يكلف المواطن أشد أنواع المعاناة والتكاليف، فيضطر إلى الذهاب إلى السجل المدني منذ الصباح الباكر، ليصطف في طابور، حتى يتكرم الموظف المختص بختم الشهادات، فيفتح أبوابه للجمهور، ثم يشرع في وضع ختم السجل المدني على الشهادات، دون أن يفعل أي شيء، للتأكد من صحتها أو عدمها. وبذلك تكلف تلك الشهادة التي لم يستغرق استخراجها من المنظومة الإلكترونية سوى دقيقة أو دقيقتين، ضياع يوم كامل، أو في الأقل عدة ساعات كي يحصل على ختم السجل المدني عليها.

هنا بكل تأكيد من حقنا أن نحلم بأن توجد تلك الدولة التي ترتقي إداراتها إلى مستوى معقول في إنجاز مصالح المواطنين، بأسهل طريقة ممكنة، ونحلم بكل تأكيد بأن نبلغ تلك المرحلة التي تتحول فيها الحكومة وإداراتها المختلفة إلى الحكومة الإلكترونية، التي تنجز فيها الخدمات إلكترونيا، دون أن يتجشم المواطن في سبيل الحصول عليها أي مشقة أو تكاليف.

حقوق النشر للمقالات المنشورة في هذا الباب محفوظة لكاتبيها.. فلا يجوز نشرها دون إذن منهم