دعونا نحلم: النظافة
بقلم د. يونس فنوش
الأعمال الكبيرة تبدأ دائماً بحلم يراود شخصاً أو أشخاصاً، يؤمنون به وبفائدته للحياة وللأحياء.. ثم يسعون بكل ما لديهم من جهد ومال ووقت لجعله حقيقة ملموسة على أرض الواقع..
وليبيا القادمة هي الآن شذرات أحلام تراود فكر وخيال نخبة من أبناء الوطن، سوف يتوقف تحققها على أرض الواقع على قدرتهم على اجتياز حالة الإحباط واليأس ونقص الثقة في الذات، وإصرارهم على تجاوز العقبات والصعاب، حتى يروا حلمهم متحققا فعلاً على أرض الواقع، فيحق لهم آنئذ أن يرددوا قول الشاعر:
فإذا الحلم حقيقة والأماني إرادة
الحلم العاشر
النظافة
أينما تجولنا في مدننا وقرانا تصدمنا مشاهد القمامة المتكدسة في الشوارع والطرق، وفي الساحات والأماكن العامة. ولا نجد إجابة عن تساؤلنا الملح: لماذا وصلنا إلى هذه الحال؟ وأين الجهات المسؤولة؟ ولماذا لا تجد حلولاً ومعالجات؟
وأذكر أني منذ عدة سنوات، بعد انتخاب أول مجلس بلدي في مدينة بنغازي، قدمت إليهم اقتراحاً بإيجاد حل جذري لمشكلة النظافة، من خلال إيجاد وسيلة أو صيغة لإنهاء ظاهرة (شركة النظافة) التي أصبحت متخلفة جداً، وعاجزة تماماً عن أداء مهمتها، ناهيك عن كونها أصبحت مظهراً من مظاهر الفساد الإداري، من خلال تكدس آلاف العاملين فيها، دون أي مبرر من حاجة العمل الفعلية لهم.
وتحدثت إلى المجلس عن أن العالم قد تجاوز هذه الصيغة المتخلفة للتعامل مع القمامة، من خلال شركات كبرى متخصصة في جمع القمامة وتدويرها، وأن هذه الشركات مستعدة للتقدم بعروض إلى الدولة الليبية أو إلى البلدية لشراء قمامة المدينة، مقابل التكفل بجمعها وإنشاء مصانع لتدويرها، أو إعدادها للتصدير إلى أماكن يتم فيها التدوير. وبهذا الأسلوب لن نتكفل نحن في ليبيا أي قيمة ندفعها مقابل جمع القمامة، بل سوف نتلقى من تلك الشركات ثمناً لقمامتنا التي نسمح لهم بجمعها.
طبعا هذا الكلام لم يجد آذاناً صاغية لا في بنغازي ولا غيرها من المدن الليبية التي تعاني كلها من مشكلة القمامة.
ومن ثم فهل لنا أن نحلم بأن توجد تلك الدولة التي تتلك الإرادة السياسية اللازمة لإحداث التغيير، فتوفر الظروف الملائمة لاستثمار هذه الإمكانية، وتيسر على الإدارات المحلية فرص التعاقد مع شركات النظافة العالمية، كي تتولى جمع القمامة والتصرف فيها، بتدويرها وبيعها، سواء داخل ليبيا أو خارجها.
إن بقاءنا حتى هذه اللحظة نعاني من هذا العجز الفاضح عن التعامل مع القمامة باستغلال الفرص والإمكانات المتاحة في العالم هو مؤسف ومؤلم وموجع.. وهو مؤشر آخر على فشل السلطات التي تولت مقاليد الأمور في بلادنا، لا منذ 2011 فقط، بل منذ 1969.
فدعونا نحلم بأن يتغير هذا الوضع، وأن نتمكن من إيجاد سلطات على مستوى المسؤولية، فتقوم بما في الوسع والإمكان لتغيير هذا الواقع البائس.