بين الانتخاب الفردي والانتخاب بالقائمة
بقلم د. يونس فنوش
من الأفكار التي باتت شائعة لدى كثير من المواطنين أن الانتخاب بنظام القائمة بعني بالضرورة أن تكون القائمة قائمة حزبية.. وقد شاعت روح مناهضة للحزبية والأحزاب، بناء على فكرة ترسخت بالخطأ لديهم أن الأحزاب هي التي كانت السبب في تعثر العمل البرلماني السياسي في المؤتمر الوطني العام. وفي تقديري أن هذا الربط بين فشل أو تعثر تجربة العمل السياسي أيام المؤتمر الوطني وبين الأحزاب من حيث هي، هو ربط خاطئ وغير صحيح.. ففشل أو ضعف أداء النواب الذين مثلوا الأحزاب أثناء تجربة المؤتمر الوطني، لا يعني مطلقاً أن الأحزاب من حيث هي أحزاب فاشلة بالضرورة. فثمة عوامل عدة أثرت في مخرجات الانتخابات، من أهمها في تقديري أن هذه الانتخابات قامت وفق نظام الانتخاب الفردي، فكانت اختيارات الناخبين تتجه للأشخاص، فتختار من تعرفهم معرفة شخصية مباشرة، أو من تمت إليهم بصلة قربى عائلية أو قبلية، والأنكى من ذلك كله سهولة خضوعهم لتأثيرات المغريات المادية، من مال أو مصالح مادية يغريهم بها المرشحون.
وقد اتفق رأي كثير من المحللين والدارسين على أن إحدى السبل لتفادي تلك السلبيات الناجمة عن نظام الانتخاب الفردي هي تبني نظام الانتخاب بالقائمة، ويعني أن يتقدم المرشحون إلى الاقتراع منتظمين في قائمة، تسجل لدى مفوضية الانتخابات باسم الحزب أو الكيان الذي يقدمها، وتعطى رمزاً انتخابياً، ويتم التنافس لكسب ثقة الناخبين وأصواتهم من خلال ما تقدمه كل قائمة من رؤى وبرامج، لا من خلال تقييم الناخبين للمرشحين المذكورين في القائمة أو معرفتهم معرفة شخصية.
ولعل من مزايا هذه الفكرة التخلص من تأسيس اختيار الناخب على المعرفة المباشرة بأشخاص المرشحين، لصالح دعم التوجه لتأسيس الاختيار على مدى قبول أو إقناع الرؤى والبرامج التي يقدمها الكيان صاحب القائمة، والتي يجب أن تكون محور الحملات الانتخابية، بحيث يستمع الناخبون إلى رؤية أصحاب القائمة حول السياسيات والبرامج التي يرونها صالحة لإدارة شؤون البلاد من مختلف النواحي، السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وما لديهم من خطط استراتيجية لتنمية موارد البلاد البشرية والمادية في المستقبل المنظور والمتوسط والبعيد.
بهذه الطريقة سوف يركز الناخب على اختيار القائمة التي تقنعه برؤاها وبرامجها وأفكارها، قبل أن تقنعه بأشخاص المرشحين فيها، فيختار القائمة التي تقنعه، لا المرشحين الذين يقنعونه.
من ناحية أخرى ثمة سلبية عشناها وشاهدناها في تجربة المؤتمر الوطني العام، فيما يتعلق بآلية التعامل مع المرشحين الذين فازوا بمقاعد في الهيئة التشريعية من خلال قوائم انتخابية، إذ برز في تجربة المؤتمر الوطني أن كثيراً من أعضاء المجلس المنتخبين في قوائم، تنصلوا من الانتماء إلى الحزب أو الكيان الذي رشحهم في قائمته، فأخذوا يتصرفون داخل المؤتمر برأيهم الشخصي الفردي، ومنهم من انتمى إلى كتلة أخرى غير كتلة الحزب الذي رشحه. وتبين أن قانون الانتخاب لم يتعامل مع هذه الحالة، ولم يحدد ما إذا كان المقعد الذي فاز به مرشح في إحدى القوائم هو مقعد للحزب أو الكيان صاحب القائمة، أم أنه مقعد للمرشح الذي فاز؟ ولم يحدد من ثم كيفية التعامل مع صاحب هذا المقعد، وهل يعود القرار بهذا الخصوص للحزب أو الكيان أم للمرشح.
وفي تقديري أن مفهوم الانتخاب بالقائمة يعني في جوهره أن المقاعد هي للقائمة، وأن الفائز بمقعد منها يمثل الحزب أو الكيان صاحب القائمة، ولا يمثل نفسه، ومن ثم يجب أن يقرر في قانون الانتخاب أن الفائز بمقعد في قائمة، لا يمثل نفسه، ولكنه يمثل القائمة التي انتخب فيها، وأن من حق الحزب أو الكيان صاحب القائمة أن يقرر استبداله بمرشح آخر، يليه في ترتيب الأسماء في القائمة، إذا تبين أن هذا العضو قد أخل بأحد مبادئ الحزب أو أهدافه أو سلك مسلكاً مشيناً وغير لائق.
أما الملاحظة التالية فتتعلق بالفكرة التي أتى بها أو ابتدعها المجلس الوطني الانتقالي، عند التهيئة لانتخابات المؤتمر الوطني، وهي فكرة (الكيان السياسي)، فالحقيقة أنه لا يوجد في العمل السياسي شيء اسمه (كيان سياسي)، ولكن هناك تسمية معروفة محددة للإطار الذي ينتظم فيه العاملون في الحقل السياسي، هي (الحزب)، فالمشاركون في عملية الاقتراع لانتخاب المؤسسات التنفيذية والتشريعية في الدولة، يجب أن ينتظموا في أطر محددة ومعروفة بأسمائها ومبادئها وأهدافها وبرامجها، هي الأحزاب، وهي أطر تظل موجودة وعاملة في الساحة السياسية قبل الانتخابات وبعدها، ولا ينتهي وجودها بمجرد انتهاء الانتخابات، إذ يظل من واجبها ومن صميم عملها أن تبقى على تواصل مع ممثليها في السلطات المنتخبة، فتزودهم بالنصائح والمقترحات ومشروعات القوانين، وتمارس وظيفتها في الرقابة على أداء السلطات والمبادرة إلى بيان وكشف سلبياتها وأخطائها واقتراح الحلول والأفكار والبرامج.