سلسلة دعونا نحلم: الطفولة
بقلم د. يونس فنوش
الأعمال الكبيرة تبدأ دائماً بحلم يراود شخصاً أو أشخاصاً، يؤمنون به وبفائدته للحياة وللأحياء.. ثم يسعون بكل ما لديهم من جهد ومال ووقت لجعله حقيقة ملموسة على أرض الواقع..
وليبيا القادمة هي الآن شذرات أحلام تراود فكر وخيال نخبة من أبناء الوطن، سوف يتوقف تحققها على أرض الواقع على قدرتهم على اجتياز حالة الإحباط واليأس ونقص الثقة في الذات، وإصرارهم على تجاوز العقبات والصعاب، حتى يروا حلمهم متحققا فعلاً على أرض الواقع، فيحق لهم آنئذ أن يرددوا قول الشاعر:
فإذا الحلم حقيقة والأماني إرادة
الحلم السابع
الطفولة
أحسب أن الواقع الذي يعيشه الأطفال في بلادنا لا يرضي أحداً.. بالطبع سوف يقول لي قائل: إن الوضع الذي يعيشه المواطن الليبي عامة، لا الأطفال فقط، لا يرضي أحداً أيضاً، ولكني أقول إن ما يتعرض له الأطفال منذ ما قبل الولادة وحتى نهاية سن الطفولة، التي قد نحسبها بالتزامن مع نهاية مرحلة التعليم الأساسي، يجب أن تكون له أولوية مطلقة في أي خطط أو سياسات قد نعدها للمستقبل، حالما توجد لدينا الدولة القادرة على معالجة الحاضر، ولكن بالتزامن مع استشراف المستقبل المتوسط والبعيد أيضاً.
فدعونا نحلم بأن توجد تلك الدولة التي تضع سياسات حديثة، منطلقة من آخر ما وصلت إليه الدول المتقدمة في سلم الحضارة، في مجال رعاية الطفولة، منذ تكون الجنين في رحم أمه، حتى اكتمال تكوينه، ثم في مختلف مراحل حياته، حتى يبلغ سن النضج.
ونحن نتابع ونشاهد تلك البرامج التي تنفذها بعض الدول المتقدمة في رعاية الطفل، منذ ما قبل الولادة، من خلال رعاية أمه أثناء حملها به، فتوفر لها الرعاية والمتابعة الصحية اللازمة، للاطمئنان على سلامة تكون الجنين، وخلوه من أخطار التشوهات والأمراض، وتتابعها حتى بلوغ لحظة الولادة، فتعمل على أن تجعلها تتم في أمان وسلام، للأم ووليدها.
ثم نتابع أيضاً ما توفره تلك الدول للأم الوالدة، من رعاية ومتابعة صحية وعلمية واجتماعية، وما توفره لها من مستلزمات حياة الطفل الرضيع، من حليب ومواد نظافة وغيرها. وقد نعجب حين نسمع أن هذه الرعاية والمتابعة تأتي إلى الأم حيث توجد في بيتها، وتأتي إلى الأم ولو كانت أجنبية عن البلاد، ومن جنسية أخرى.
وإننا نحلم بأن نبلغ تلك الدولة التي لا نجد فيها طفلاً في سن الدراسة خارج المدرسة، أو طفلاً تضطره حاجة أهله إلى ترك صفوف الدراسة كي يمارس عملاً يسهم به في سد حاجات الأسرة. فتقوم الأجهزة المختصة بالمتابعة الاجتماعية بدراسة تلك
الحالات، ومعالجتها، وتوفير ما يلزم الأسرة، إذا ثبت عجزها وعجز معيلها عن الوفاء بالمطالب اللازمة لتوفير الحد الأدنى من العيش الكريم.
وقد نحلم بأن نبلغ تلك المرتبة من النضج والرقي الحضاري، فنتوافق على اعتبار الأمومة وظيفة وطنية، تقوم بها المرأة الأم لصالح المجتمع، ومن ثم على المجتمع أن يؤدي للأم ما يلزم من الرعاية المادية والمعنوية حتى تكون قادرة على القيام بتلك الوظيفة على أكمل وجه.
ولعل الشاعر لم يبعد عن هذا المعنى عندما قال:
الأم مدرسة، إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
إذ يربط بين إعداد الأم وإعداد الشعب كله. ومسؤولية إعداد الشعب ليست مسؤولية الأم وحدها، بل هي مسؤولية المجتمع كله.