الإنسان: عدد .. أو كائن سياسي
بقلم د. يونس فنوش
إن حق الإنسان في المشاركة في اتخاذ القرارات العامة هو “أبو الحقوق” كلها، فهو الحق الذي، إن تمسك به الإنسان وحرص على أن يمارسه بنفسه، وأدرك بعمق أبعاد وخطورة التنازل عنه، ضمن لنفسه التمتع الفعلي بسائر حقوقه الأخرى، كحقه في الحياة وفي الحرية وفي الأمن وفي العدالة، ومن ثم فإن التمسك بهذا الحق والحرص على عدم التنازل عنه هو الضمان الحقيقي والوحيد لئلاً يقع العدوان على حياة الإنسان وسائر حقوقه وحرياته، لأنه بممارسته الفعلية الواعية لهذا الحق يضمن لنفسه أن يكون له نصيب في تقرير كل الشؤون التي تمسه كفرد أو تمس حياته كعضو في المجتمع، وتمسه كفرد واحد أو كفرد متزوج ومسؤول عن أسرة وأولاد، ثم تمس حياته في مختلف مراحلها من الشباب إلى الشيخوخة، وتمس حياة أولاده في طفولتهم وصباهم وشبابهم إلى آخر حياتهم.
إن السبيل إلى العدوان على الإنسان وعلى حرياته وحقوقه، والذي يمكن أن يتجسد واقعياً في شتى أشكال التسلط والاستبداد والسيطرة والاستغلال، يبدأ بجهل الإنسان بحقه المتساوي مع حقوق كل الناس في المشاركة في صنع القرار العام، ويمر بحالة عدم وعي الإنسان بأهمية الممارسة الفعلية لهذا الحق، وخطورة التنازل عنه للآخرين. حين يتخلى المرء عن حقه يدع السبيل مفتوحاً لأن يستولي عليه آخرون، ولا يعود من حقه، كما لا يعود مجدياً، أن يشكو أو يسخط أو يتذمر، حين يتخذ الآخرون الذين مارسوا حقهم في المشاركة في صنع القرار، قرارات ليست في مصلحته أو مضرة به. فأول سبيل حرص الإنسان على مصلحته، وتوقي مختلف الأضرار الممكنة والمحتملة التي قد تلحق بها هو أن يتمسك بحقه في المشاركة في القرار وألا يتنازل عنه.
إلا أن ممارسة هذا الحق يمكن في الواقع العملي أن تكون مجرد فعل ميكانيكي شكلي يقوم به الفرد دون أن يدرك معناه وأهميته وخطورة آثاره، فيوظف عندئذ لتحقيق مصلحة أطراف أخرى. ومثال هذه الحالة استثمار الأفراد أو المجموعات لحق الأفراد الآخرين في المشاركة من خلال مختلف سبل ووسائل التأثير والضغط والإغراء والابتزاز، مستغلين شتى العوامل التي تساعد على وجود هذه الحالة، مثل الجهل، الحاجة المادية، الخضوع المعنوي لسلطة العصبية، التأثر بوسائل الدعاية. وحين توجد هذه الحالة يتحول الإنسان الذي ينبغي أن يكون “كائناً سياسياً” كامل الخلق وكامل الأهلية الإنسانية، من حيث هو جزء أصيل لا يتجزأ من عملية صنع القرار الجماعي، ومن حيث إن له حقاً متساوياً ومتكافئاً مع حق الآخرين، مهما كانت قوتهم أو ثروتهم أو عصبيتهم أو مكانتهم الاجتماعية؛ يتحول هذا الفرد إلى مجرد “عدد” يضاف إلى غيره من “الناس/الأعداد“، ويحتاج إليه لحسابات الفوز والخسارة في مواقف التنافس بين الأفراد أو المجموعات الساعية للحصول على القدر المطلوب من التأييد الشعبي، المحسوب بعدد أصوات المؤيدين، للحصول على التفويض بالوجود في مواقع الحكم والإدارة.
من هنا يصبح الوعي بخطورة وأهمية استخدام الحق في المشاركة هو اللبنة الأولى لوجود الإنسان الذي يتجاوز حالة “الإنسان العدد” إلى حالة “الإنسان السياسي“، أي الإنسان:
-
الواعي بقيمة وجوده الآدمي باعتباره الكائن الذي ميزه الله بالعقل والتكليف ومسؤولية الاختيار الحر.
-
المدرك لحقيقة تساويه في الحقوق الفردية والاجتماعية الأساسية مع غيره من أفراد المجتمع.
-
الحريص على عدم التهاون في ممارسة حقه في المشاركة في تقرير شؤونه، وعدم التخلي عن هذا الحق أو رهنه لشتى عوامل التأثير والضغط.